فصل: المبحث الثاني: زعموا عليه في دعوته مزاعم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنظمات اليهودية ودورها في إيذاء عيسى عليه السلام (نسخة منقحة)



.المبحث الثاني: زعموا عليه في دعوته مزاعم:

منها: أنه قال لهم: إنه ابن الله، وأنه ما جاء من هذا العالم، وإنما جاء من السماء، وأنه سيكون ملكا عليهم، وأنه لن يموت وإنما سيجلس عن يمين الرب!!
أنه سينقض الهيكل ثم يبنيه.....
ولما كان بناء هيكل سليمان- بيت إله بني إسرائيل في أورشليم- هو أهم مخططاتهم ومعتقداتهم، وقد جاء المسيح- عليه السلام- فوجد اليهود يزعمون بأن العبادة لا تقبل إلا في الهيكل، على أساس أنه بيت الرب، أي مسكنه الذي يسكن فيه، فصحح المسيح لهم هذا الزعم، وذكر لهم أن الله تعالى أجل من أن يسكن هذا المكان، وهو الذي وسع كرسيه السموات والأرض، وبين لهم بأن عبادته سبحانه في كل مكان، جائزة في كل الأرض وفي كل البيوت، وبهذا أنهى المسيح دور الهيكل في حياة اليهود، فحقدوا عليه لذلك وحاربوه.
[القوى الخفية، صـ43، (هامش) وجذور الفكر اليهودي، صـ 161، بتصرف].
ولذلك زعموا ضده مزاعم عند الوالي الروماني، بأنه ملك اليهود، وبأنه ابن الله....... إلخ.
وكانت محاكمة ملفقة، ولم تكن سوى مواقف المهاترة التي أرادها القوم في حوارهم مع السيد المسيح، التي ضللت الجماهير اليهودية، وجعلتهم في موقف رفض وثورة وتمرد وسخط على المعلم، حتى صارت كأنها تظاهرة ضد المسيح. إنها غوغائية الشعب اليهودي، وبهيمية طبعه واندفاعه الأعمى والأحمق وهو يطارد في النهاية داعي الحب والسلام، لماذا؟
لقد رفض السيد المسيح عليه السلام كل ما كان عليه الإسرائيليون وما يحملونه من ميراث مدعي يحوى دعوى العنصرية، والانغلاقية والتي بها استطاعت فئات أن تكون لنفسها مجتمع السادة الذين يحيون الحياة بكل إمكانيات الاستغلال والسيطرة، لقد رفض السيد المسيح حياة النفاق في مجتمع إسرائيل. لقد رفض التناقضات التي تضج بها آيات العقيدة الدينية عند القوم، وما أكثر الاضطراب والخلل بين كل ما ساقه القوم من آيات العقيدة، وزيف ميراث التاريخ المدعى.
ومن ثم فإن اليهود- بعد أن كشف المسيح عوراتهم وأظهر سوءاتهم وفضح أحوالهم، ووصفهم بالخراف الضالة- رفضوا دعوته، ولم يستأنسوا، ولم يتقبلوا آيات الدعوة، وإنما انتقل الطبع الملتوي والخلق النهاز إلى توحش حيواني مفترس لا يعرف في اندفاعه الحيواني- بعيدا عن دنيا الروح ونقاء الضمير- الفرق بين طبيعة الخلق السوي والرفض العنصري الشاذ، ولا الفرق في طبيعة الحياة بين ما هو إنساني، وبين ما هو ضد الطبيعة الإنسانية، فأمام ضرورة أن يتخلص القوم الثائرون المتمردون الساخطون على تعاليم المعلم ومنهجه، فإنهم لم يكونوا بقادرين على أن يدركوا خطر الجهال عليهم والأدعياء بينهم والقوى المستغلة لقدراتهم وحياتهم، ومع كل ذلك فإنهم قد قرروا التخلـص منـه والقضاء عليه.!!
لقد جاءت القوى المتربصة الشريرة، وقد انعدمت منهم أدنى أعمال العاطفة أو الخلق أو الضمير من أجل القبض على المسيح الذي لم يدع إلا إلى القيم والحب والتطهر والنقاء، والذي أراد أن يحيي الأمل في قلوب الحزانى والجياع والمساكين، ولكنه في نظر اليهود من الخطاة والمجرمين.!!
وفي مشهد الغوغائيين اندلعت المؤامرة وظهرت السخرية، وبدا التلفيق يوجه ضد السيد المسيح، بأنه تعرض لسلطان الدولة، وجرح قداسة الدين، وأنه قال: إني أقدر أن أنقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام أبنيه.
[التاريخ اليهودي العام، د/ صابر طعيمة، صـ359- 356، ط/ دار الجيل، بدون ذكر التاريخ والطبعة].
ولقد قال لهم يسوع:- من قبل- أما قرأتم قط في الكتب، الحجر الذي رفضه البناءون ها هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينـزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه.
وبهذا التصور العظيم الذي ساقه السيد المسيح وهو يقدم لقوى التناقض الاجتماعي اليهودي نهايتها التي كانت خاتمة لمرحلة طويلة لم يستطع فيها الإنسان الإسرائيلي أن يتجرد أو يتخلص من طبع الأنانية والجحود والكفران، ولم يتقبل فيها دعوة من دعوات الحق والعدل، بل كان أسلوب الوشاية والاستغلال والسيطرة والاستعلاء هو أداة الذين يقدرون، وأمل ومطمع الذين لا يقدرون، حتى إذا ما أتيح لهم أن يتمكنوا أو يقدروا، كانوا كما ضرب لهم السيد المسيح المثل الذي كان فيه صاحب الكرم قد ائتمن مجموعة من الكرّامين، فأكلوا الثمر وقتلوا الوارث، وأصبحت الضرورة بتغييرهم وإهلاكهم هي المخرج والخلاص.
وفي قول السيد المسيح: إن ملكوت الله ينـزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره. أكبر تأكيد بأن الميراث المدعي لبني إسرائيل في النبوة والهداية قد انتهى تماما حين رفضت دعوة السيد المسيح وطوردت... ومن هذا الموقف العظيم الذي أعلن فيه السيد المسيح تجريد بني إسرائيل من كل ما يمكن أن يدعوه دينيا أو تاريخيا بهذا الأسلوب العف العظيم الذي ساقه السيد المسيح، فإن القوى اليهودية التي رأت في هذا الدين خطرا عليها قد دخلت في معارك صريحة مع الدعوة ومع صاحبها عليه السلام.
الدعوات إلى الحق والعدل دائما وأبدا في تاريخ الحركات الاجتماعية والدعوات الدينية والإلهية في المجتمعات القائمة على الصراع وعلاقات الاستغلال، مثل مجتمع الجماعات اليهودية المستغلة على ضوء قيم وعلاقاتها الاجتماعية فيما بينها، والمضيعة تحت أسر وسيطرة الدولة الرومانية وصاحبة السيادة المطلقة، كانت تجد دائما بجانب الذين يرون في الدين الجديد أو الدعوة إلى قضية الحق والعدل مخرجا لهم، وأداة في التخلص من جو الظلم والجور والعنف الذي يكبلون به، والمحروق جهدهم وعرقهم في ظله، أولئك الذين تسلبهم الدعوة إلى الحق والعدل كل متكئات استغلالهم وسيطرتهم، ثم تعريهم- في الوقت نفسه- أدوات الدعوة إلى الحق والعدل، من مظاهر نفاقهم وفراغهم وريائهم، ثم قساوة قلوبهم.
ومن هنا فإنه من بين جماعات بني إسرائيل واليهود قد أدركت قوى الاستغلال اليهودي التي كانت تسيطر عليهم، أن دعوة السيد المسيح تشكل خطرا عليهم فدخلوا معها ومع المؤمنين بها معركة كانت من أشق المعارك التي خاضتها الدعوات إلى الحق والعدل مع قوى التناقض الاجتماعي والاستغلال الطبقي التي كانت دائما تعلن الحرب في وجه الدعاة إلى قضايا الحق والعدل والمساواة، ذلك أن أولئك الذين قال فيهم وعنهم السيد المسيح بأنهم (الحيات أولاد الأفاعي) وأبان حالهم من الداخل من طوية النفس وسريرتها، ومن الخارج من مظاهر النفاق، والحس المتبلد بأنهم كالقبور المبيضة، خارجها طلاء جميل، وداخلها عظام نخرة، قد ذهبوا صراحة في معركة مكشوفة قوية وعنيفة ضد صاحب الدعوة إلى القيم الجديدة والدين الجديد، ضد السيد المسيح عليه السلام، وكان ذلك على حد الرواية التي تسوقها الأناجيل فيما يرويه (متى) من الإصحاح السادس والعشرين، أنه عقب عدم إمكانية مواجهة قوى التناقض لأصالة دعوة السيد المسيح ونقائها، ثم عجزهم عن أن يقاوموا منهجه وحججه، حين كان يكشف كل يوم عوراتهم وسيئاتهم، ويهدم زيف نفاقهم، إنهم- على حد تعبير متى- قد قرروا أن يضعوا للمعلم ولأسلوب دعوته حدا للتخلص منه،.. حينئذ اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب لكي يمسكوا (يسوع) بمكر ويقتلوه ولكنهم قالوا ليس في العيد، لئلا يكون شغب في الشعب.
[المرجع السابق، صـ338، 339، والنص من إنجيل متى، الإصحاح، 26 (3- 5)].

.تحليل نفسي للموقف اليهودي ضد المسيح عليه السلام:

لقد عرف القاصي والداني أن الكثيرين ممن تشكل عليهم قيم الدعوة إلى الحق والعدل خطرا، وتهدد مصالحهم أو امتيازاتهم أو تقفل عليهم أبواب التسلق، ومحاولات السيطرة والنفاذ إلى مقدرات الإنسان والحياة بقصد الاستغلال لمتطلبات الحس وحاجة الهوى والمصلحة الخاصة، فإنهم يرفضون تلك الدعوة بكل ما أوتوا من قوة، وما استطاعوا من سبل.
بعكس الذين يريدون الإصلاح وينشدون الطهر والنقاء، فهؤلاء تكون لهم لهفة وسرعة استجابة. وأمر دعوة السيد المسيح التي تنشد الصلاح والخلاص مع اليهود لم تصادف أهلها، حيث حاول المسيح عليه السلام أن يستأنس الخراف الضالة من بني إسرائيل، لكنه تحرك في مجتمع متعفن التقاليد، جامد العواطف تسيطر عليه الطبقية المستغلة من تجار الحكم، وتجار المال، وتجار الدين، ووسط صراع وتناقضات مجتمع العشارين والمرابين والفريسيين والصدوقيين، وكل هذه القوى التي كانت تسيطر على المجتمع الذي بدأ فيه المعلم العظيم الدعوة والعمل إلى قيم التطهر والنقاء، كان هذا وحده كفيلا بأن يعرضه للمشقة وللمخاطر. وبأن يقضى عليه وعلى دعوته منذ البداية الأولى فبل أن يشكل خطر الدعوة على الذين تهدد الدعوة امتيازاتهم وتسلبهم أدوات استغلالهم، والذي عرف نفسية اليهود، وخباياهم يدرك هذا المعنى الذي يمكن أن يعجز القلم عن تصويره، والعقل عن تصوره، بل وربما عجز الخيال أيضا عن تخيله، والوهم عن توهمه، لما له من أغوار بعيدة العمق، عميقة البعد، ما يعرفها الإنسان السوي، ولا يتخيلها الإنسان المجرد، لأنها مجردة عن الإنسانية، قد تجرد صاحبها من كل معنى إنساني أو ديني أو خلقي، بل تدني إلى درك لا ترتضيه البهائم لها، لما أودع الله فيها من صفات، قد يضرب بها المثل في عالم الإنسانية، كما يقال: فلان كالكلب في وفائه، وكالأسد في شجاعته، وكالجمل في حلمه، والحمار في صبره.... إلخ.
إن هؤلاء اليهود- الذين قام فيهم المسيح عليه السلام بدعوته- فقد عرفوا بالطبع الملتوي، والخلق النهاز، شعب صلب الرقبة، فيهم الغدر والجبن والخيانة فهم ذئاب إذا قدروا، وأرانب إذا خافوا.
وعليه.. فإن القيم الجديدة التي تمثلها دعوة السيد المسيح بقدر ما كانت عمليات رفض لمظاهر الاستغلال الصارخة، فإنها أيضا كانت خطرا على كل عفن ديني، وكل كهانة أخلاقية، وكل جمود على العرف والتقاليد.
وليس من العجب أو غير المألوف أن خطر الدعوة- أخلاقيا- سري إلى سلطان الدولة الرومانية نفسها في أورشليم (القدس) وامتدادها، مهددا النظام الغاشم القائم على القهر والاستعباد، رغم أن الدعوة المسيحية- على حد روايات الأناجيل- لم تتعرض للدولة الرومانية صراحة في ثورة دين، بهدم أو بناء.
وأمام كل ما تمثله الدعوة الجديدة على يد معلمها العظيم، فليس غريبا أن تتكتل الجهود، جهود كل قوى التناقض اليهودي الطبقي، ثم تتعاون قوى السلطان الرومانية مع التحالف اليهودي، ويصبح موقف الوالي سلبيا متميعا، كي يكون بالسلبية دون التدخل المباشر من قبل الدولة، وإنما بالتحالف غير المباشر وبالمؤامرة والخداع، يصبح المجال ميسرا ومهيئا لإمكانية التخلص من خطر الداعي الجديد.
ولقد بذل القوم جميعا في تحالف وارتباط وتآمر جهودا قوية ومضنية في التخلص من المعلم الجديد.
[التاريخ اليهودي العام، صـ350- 352، بتصرف].
ولما كانت آيات الأناجيل- وهي في جملتها وتفصيلها- تمثل موقف رفض وسخط بل وحرب لكل ما خلفه مجتمع إسرائيل عبر التاريخ، ولكل ما كان عليه مجتمع إسرائيل في عصر الميلاد، وتقرر علاقتها بشعب إسرائيل خاصة وأنها قد أصبحت- منذ عصر الميلاد- آيات عقيدة لمن آمن من بني إسرائيل بالسيد المسيح أن يقطع كل صلة له ببني إسرائيل وتاريخهم ومعتقداتهم وميراث أخلاقهم وكل ما كانوا عليه في حالة من عقيدة الرفض لكل مظاهر الزيف والنفاق والوثنية متحليا بقيم النقاء الديني والتطهر الروحي الذي دعا إليه المعلم العظيم، فكل هذه الفروق بين تصورهم ومعتقداتهم بين الأمس واليوم على حياة السيد المسيح يجعلهم يرفضون دعوته.
[اليهودية واليهودية المسيحية للأستاذ الدكتور/ فؤاد حسنين علي، معهد البحوث والدراسات العربية، عام 1968م القاهرة].
أيضا... كما أشرنا من قبل- لقد أرادوا المسيح ملكا وليس نبيا، أرادوه للدنيا ولم يريدوه للدين، ولا للآخرة، أرادوه لإعادة مجدهم وملكهم أرادوه، للمادة لا للروح. فلما لم تكن دعوته كذلك، كان- بالطبع- لا بد وأن يرفضها العنصر الشاذ، والطبع الملتوي، والخلق النهاز، والحيوان المتوحش، والهمجي الوحشي.
ولو كانوا خرافا لاستأنسوا هذه الدعوة، ولذا قرر القوم الثائرون المتمردون الساخطون على تعاليم المعلم ومنهجه، التخلص منه والقضاء عليه، وأمام هذه النهاية المفجعة ابتدأ المعلم العظيم على حد روايات الأناجيل- يحزن ويأسف لأن تكون النهاية هكذا وتمنى في ابتهال صادق وصدق عظيم، صدر من دعوة نبي مع فدائية بطل أيضا، ألا تكون النهاية هكذا على أيدي قاتلي الأنبياء وراجمي المرسلين، وأعتقد يقينا أن الله تعالى قد استجاب دعوته.
[التاريخ اليهودي العام صـ 352- 354، بتصرف].